بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد:
فقد اطلعت علي رسالة بعنوان:"الانتصار للعلماء الأبرار"
نذكر جملة من كلام الكاتب وتكون هي محل البحث ان شاء الله تعالي
يقول المؤلف:
((فإذا أردنا تخريج نازلة البرلمان علي ما تم تأصيله نتج لنا أنها من أفضل القربات وأنها تأخذ أحكام الجهاد والقتال في المرخصات والإستثناءات ومنها الترخص بإظهار الكفر للمصلحة))
وقد طلب مني من لا ينبغي التأخر عن طلبه للرد علي هذا الكلام. فأجبته إلي ذلك في هذه الصفحات والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال تعالى {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} الكهف 5
قال تعالى {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} النور 16
والرد علي ذلك في الفصول التالية:
(فصل في بيان الطاغوت)
قال الله تعالى:
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (البقرة256)
قال بن كثير رحمه الله:
أي من خلع الأنداد والأوثان وما يدعوا إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده ووحده وشهد أنه لا إله إلا هو فقد ثبت أمره واستقام علي الطريقة المثلي والصراط المستقيم وهل دخول البرلمانات والأحزاب إلا من دعوة الشيطان ليصد الناس عن دين الله وعقب الله هذه الآية الكريمة.
بقوله {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة 257)
قال بن كثير رحمه الله:
أي يخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلي نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير. وقوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} أي وأن الكافرين إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات (والانتخابات والأحزاب الجاهلية) ويخرجهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلي الكفر والإفك وانظر إلي ما قاله هذا الإمام الكبير" ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات لأن الحق واحد والكفر أجناس ولكنها باطلة. إلي غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل (كما اغتر بذلك اكتر المنتسبين إلي الدعوة).
وقال الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}. (النساء 60)
قال بن كثير رحمه الله:
هذا إنكار من الله عز وجل علي من يدعي الإيمان بما أنزل الله علي رسوله وعلي الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلي غير كتاب الله وسنة رسوله..... والأيه أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلي ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هاهنا.
فائدة: من هذا النص يستفاد أن الذي يتحاكم إلي غير شرع الله غير مؤمن بجميع الرسول.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ}. (الزمر 17)
قال بن كثير رحمه الله:
والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان وأناب إلي عبادة الرحمن.
قال تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. (المائده50)
قال بن كثير رحمه الله:
ينكر تعالى علي من خرج عن حكم الله المشتمل علي كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلي ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون بها من الضلالات و الجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما كان يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن
كتاب مجموع من أحكام قد أقتبسها من شرائع شتي من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنية شرعاً متبعا يقدمونها عن الحكم بكتاب الله وسنة رسوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتي يرجع إلي حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير.
قال الحسن رحمه الله:
من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية هو: وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أبغض الناس إلي الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية) (البخاري، 6882)
قال تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل 36).
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
فأخبر أن جميع المرسلين قد بعثو باجتناب الطاغوت فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين.
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:
الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعني واحد لا فرق بينهم البتة فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله وتشريعاً غير تشريع الله كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن ولا فرق بينهم البتة بوجه من الوجوه فهما واحد وكلاهما مشرك بالله.
نواقض الإيمان القولية والعملية (297)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
لو قال من حكم القانون أنا أعتقد أنه باطل فهذا لا أثر له بل هو عزل للشرع كما لو قال أحد أنا أعبد الأوثان وأعتقد أنها باطل. الفتاوى (6/1989)
ويقول ايضا:
وتحيكم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عباة الله دون ما سواه إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له وأن يكون رسول الله هو المتبعالمحكم ما جاء به فقط ولا جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيما عند النزاع. الفتاوى(12/251)
فتحصل من مجموع كلامهم رحمهم الله أن إسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله وكل راس في الضلال يدعو إلي الباطل ويحسنه ويشمل كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله. الدرر السنية (2/301)
ويقول الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
وحاصله أن الطاغوت ثلاثة أنواع طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة والمقصود في هذه الورقة طاغوت الحكم. الدرر السنية (10/502)
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله:
فالتوحيد هو الكفر بكل طاغوت عبده العابدون من دون الله.قال تعالى {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد. فتح المجيد (3444)
يقول الأمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
في أول كتاب التوحيد المسألة السابعة.. المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ففيه معني قوله{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}
يقول الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله:
والقوانين نفسها طواغيت وواضعوها ومروجوها طواغيت وأمثاله في كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم إما قصداً أو عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت. حاشية فتح المجيد(243)
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمد ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين فالحكم به بين العالمين والرد إليه عند المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}
(النساء 59). (تحكيم القوانين5)
ويقول...النوع الخامس وهو أعظمها واشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ورسوله ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمدادا وإرصاداً وتأصيلاً وتفرعياً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات فكما أن المحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلي كتاب الله وسنة رسوله فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتي وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي... فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمد رسول الله بعد هذه المناقضة. (تحكيم القوانين 20)
(فصل فيما يجب علينا تجاه الطاغوت)
قال الأمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
اعلم رحمك الله أن أول ما فرض علي بن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله والدليل. قوله تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. (النحل36) الدرر السنية (1/161)
ويقول... فأما صفة الكفر بالطاغوت فإن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم وقال واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا إلا بالكفر بالطاغوت ويؤمن بالله والدليل.
قوله تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}. (البقرة 256 ) الدرر السنية (1/163)
قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله:
من لم يعرف كفر الدولة ولم يفرق بين البغاة من المسلمين لم يعرف معني لا إله إلا الله فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة مسلمون فهو أشد وأعظم وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله. الدرر السنية (10/429)
وواجب المسلم نحوهم ما يلي:
أولا: تكفيرهم
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:
التكفير بالشرك والتعطيل أهم ما يجب من الكفر بالطاغوت.
الدرر السنية(12/264)
ثانياً:اعتزالهم
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
فالحنفاء أهل التوحيد اعتزلوا هؤلاء المشركين لأن الله أوجب علي أهل التوحيد اعتزالهم وتكفيرهم والبراءة منهم كما قال عن خليله إبراهيم عليه السلام {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}(مريم 48)
وقال عن أهل الكهف {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا}. (الكهف 16)
فلا يتم لأهل التوحيد توحيدهم إلا باعتزال أهل الشرك وعدواتهم وتكفيرهم فهم معتزلة بهذا الاعتبار. الدرر السنية (11/434)
ثالثاً:إظهار العدواة لهم:
قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. (الممتحنة4)
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
قوله (وَبَدَا) أي ظهر وبان وهذا هو الواجب أن تكون العداوة والبغضاء ظاهرة يعلمها المشركون من المسلم وتكون مستمرة.
رابعاً: اجتنابهم:
قال تعالى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}. (الزمر 17)
قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.النحل 36
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
فاخبرا أن جميع المرسلين قد بعثوا باجتناب الطاغوت فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين. ففي هذه الآيات من الحجج علي وجوب اجتنابه وجوه كثيرة والمراد من اجتنابه هو بغضه وعداواته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان وإزالته باليد عند القدرة ومفارقته فمن ادعي اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق.
الدرر السنية (10/502)
خامساً: البراءة منهم:
قال تعالى:
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ). ( الممتحنة 4 ).
يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
وها هنا نكتة بديعة في قوله (إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) وهي أن الله تعالى قد البراءة من المشركين العابدين غير الله علي البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله لأن الأول أهم من الثاني فإنه قد يتبرأ من الأوثان ولا يتبرأ ممن عبدها فلا يكون آتياً بالواجب عليه وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم... فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك باباً إلي عداوة أعداء الله فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي أهله فلا يكون مسلماً بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين ثم قال (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) فقوله (وَبَدَا ) أي ظهر وبان وتأمل تقديم العداوة علي البغضاء لأن الأولى أهم من الثانية فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء ولابد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء بادتين أي ظاهرتين وأعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب فإنها لا تنفع حتى تظهر أثرها وتتبين علامتها ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين وأما إذا وجدت الموالاة والمواصلة فإن ذلك يدل علي عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا الموضع فإنه يجلو عنك شبهات كثيرة. سبيل النجاة والفكاك (46)
( فصل في بيان عدم جواز التلبس بالكفر إلا للمكره )
قال تعالى:
(مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل 106 )
يقول بن كثير رحمه الله:
قوله تعالى (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهاً لما ناله من ضرب وأذى وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.... ولهذا اتفق العلماء علي أن المكره علي الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته ويجوز له أن يأبى والأفضل والأولى أن يثبت المسلم علي دينه ولو أفضى إلي قتله.
قال الأمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد إلا المكره.
الدرر السنية ( 2/362 )
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
والمقصود منه أن الإكراه علي كلمة الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد.
سبيل النجاة (115)
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله:
فحكم تعالى حكماً لا يبدل أن من رجع عن دينه الي الكفر فهو كافر سواء كان له عذر خوفاً علي نفس أو مال أو أهل أم لا وسواء كفر بفعاله أو مقاله أو بأحدهما دون الآخر وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا فهو كافر علي كل حال إلا المكره. ( 8/131 )
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
فهذه حال أصحاب رسول الله وما لقوا من المشركين من شدة الأذى فأين هذا من حال هؤلاء المفتونين الذين سارعوا إلي الباطل وأوضعو فيه وأقبلوا وأدبروا وتوددوا وداهنوا وركنوا وعظموا ومدحوا فكانوا اشبه بمن قال الله تعالى (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً)( الأحزاب 14 )
( الدرر السنية 8/252 )
يقول الشيخ سليمان بين سحمان رحمه الله:
فإذا عرفت أن التحاكم إلي الطاغوت كفر وقد ذكر الله في كتابه أن الكفر أكبر من الفتنة قال تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ).( البقرة 217 ).وقال ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ ) ( البقرة 191 ) والفتنة هي الكفر. فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بعث بها الله فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلي الطاغوت لأجلها ولو اضطرك مضطر وخيرك بين أن تتحاكم إلي الطاغوت أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ولم يجز لك المحاكمة إلي الطاغوت. ( الدرر 10 /511 ).
قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله:
فمن تكلم بدون الإكراه لم يتكلم إلا وصدره منشرحاً به وقال... ومن كفر بالله من بعد إيمانه من غير إكراه فهو مرتد. الفتاوى ( 16/28 ).
وقال.. ومعلوم إن إكراه القلب ممتنع فعلم أن التكلم بالكفر كفر إلا في حال الإكراه. ( الفتاوى 7/560 ).
(فصل في الرد علي من زعم أن دخول البرلمان طريق لإقامة الدين)
قال تعالى:
( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران 31 )
قال بن كثير رحمه الله:
هذه الآية حاكمة علي كل من ادعى محبة الله وليس هو علي الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
رواه مسلم ( 1718 )
وفي السيرة أن المسلمين حُصِروا في شعب أبي طالب ثلاث سنين فلم يفعلوا الشرك من أجل ذلك وفي هجرة الحبشة وفيها مساومات المشركين للنبي صلي الله عليه وسلم ومع ذلك لم يفعل الشرك من أجل ذلك. وذلك ما جاء في عرض عتبة بن ربيعة بتكليف من زعماء قريش حيث قال للرسول ( صلي الله عليه وسلم )
1- ( فرقت جماعتنا ) هذا مؤمن وهذا كافر.
2- ( وعبت ديننا ) تنقصت من دين الطاغوت.
3- ( وشتمت الآباء ) أي إنهم كانوا علي الضلال والشرك.
4- ( وشتمت الآلهة ) أي لأنها لا تستحق العبادة.
5- ( وفضحتنا في العرب ) لأنه طالب بتحكيم شرع الله ( بالكفر من الطاغوت والإيمان بالله وحده ).
أيها الرجل إن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك فكنت رأسنا ( رئيس الحكومة ).
وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا ( رئيس البرلمان ).
وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ( رئيس الجمهورية ).
فلم يقبل الرسول وتلي عليهم صدر سورة فصلت لأنه عرض في مقابل أصل الأصول الذي هو القيام بالتوحيد والكفر بالطاغوت..
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:
وهؤلاء قد يظن أحدهم أنه لا يمكنه السلوك إلي الله تعالى إلا ببدعة وكذلك أهل الفجور والمترفين قد يظن أحدهم أنه لا يمكنه فعل الواجبات إلا بما يفعله من الذنوب ولا يمكنه ترك المحرمات إلا بذلك وهذا يقع لبشر كثير من الناس.فمنهم من يقول أنه لا يمكن أداء الصلوات واجتناب الكلام المحرم من الغيبة وغيرها إلا بأكل الحشيشة. ويقول الآخر إن أكلها يعينه علي استنباط العلوم وتصفية الذهن حتى يسميها بعضهم معدن الفكر والذكر ومحركة العزم الساكن وكل هذا من خدع النفس ومكر الشيطان بهؤلاء وغيرهم ويقول.. من هؤلاء من يقول إن محبته لله ورغبته في العبادة وحركته وشوقه وغير ذلك لا يتم إلا بسماع القصائد ومعاشرة الشاهد من الصبيان وغيرهم وسماع الأصوات والنغمات ويزعمون أنهم بسماع هذه الأصوات ورؤية الصور المحركات تتحرك عندهم من دواعي الزهد والعبادة ما لا تحرك بدون ذلك وأنهم بدون ذلك قد يتركون الصلوات ويفعلون المحرمات الكبار كقطع الطريق وقتل النفوس ويظنون أنهم بهذا ترتاض نفوسهم وتلتذ بذلك لذة تصدها عن ارتكاب المحارم والكبائر وتحملها علي الصلاة والصوم والحج..
ويقول: وربما ضموا إليها من معاشرة النساء والمردان ونحو ذلك ويقولون هؤلاء الذين توبناهم وقد كانوا لا يصلون ولا يحجون ولا يصومون بل قد كانوا يقطعون الطريق ويقتلون النفس ويزنون فتوبناهم عن ذلك بهذا السماع وما أمكن أحدهم استتابتهم بغيرهذا وقد يعترفون أن ما فعلوه بدعة منهية عنها أو محرمة ولكن يقولون ما أمكننا إلا هذا وان لم نفعل هذا القليل من المحرم حصل الوقوع فيما هو أشد منه تحريما وفي ترك الواجبات ما يزيد إثمه علي إثم هذا المحرم القليل في جنب ما كانوا فيه من المحرم الكثير.ويقولون أن الإنسان يجد في نفسه نشاطاً وقوة في كثير من الطاعات إذا حصل له ما يحبه وإن كان مكروهاً حراماً وإما بدون ذلك فلا يجد شيئاً ولا يفعله وهو أيضاً ممتنع عن المحرمات إذاعوض بما يحبه وإن كان مكروهاً وإلا لم يمتنع.وهذه الشبهة واقعة لكثير من الناس وجوابها مبني علي ثلاث مقامات:
أحدهما: ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئاً لا لضرورة ولا لغير ضرورة كالشرك والفواحش والقول علي الله بغير علم والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ). (الأعراف32)فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيء قط ولا في حال من الأحوال. الفتاوى (14/470)
ويقول: وأما الإنسان في نفسه فلا يحل له أن يفعل الذي يعلم أنه محرم ( مثل المشاركة في الأحزاب الجاهلية ) لظنه أنه يعينه علي طاعة الله ( إقامة الخلافة أو الحكم ) فإن هذا لا يكون إلا مفسدة أو مفسدته راجحة علي مصلحته وقد تنقلب تلك الطاعات مفسدة فإن الشارع حكيم.....ويقول: وليس له أن يقول أنا أفعل ثم أتوب ولا يبيح له الشارع ذلك لأنه بمنزلة من يقول أنا أطعم نفسي بما يمرضني ثم أتداوي أو آكل السم ثم أشرب الترياق والشارع حيكم فإنه لا يدري هل يتمكن من التوبة أم لا وهل يحصل الدواء بالترياق وغيره أم لا.....ويقول: فإن الشرك والقول علي الله بلا علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم لا يكون فيها شيء من المصلحة.فإخلاص الدين له والعدل واجب مطلقاً في كل حال وفي كل شرع فعلي العبد أن يعبد الله مخلصاً له الدين ويدعوه مخلصاً له لا يسقط هذا عنه بحال ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل لا إله إلا الله فهذا حق الله علي كل عبد من عباده كما في الصحيحين من حديث معاذ أن النبي قال له ( يا معاذ أتدري ما حق الله علي عباده ؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) الحديث... فلا ينجو من عذاب الله الا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصاً له الدين...... فلابد من عبادة الله وحده فهذا واجب علي كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة وهو الإسلام العام الذي لا يقبل ديناً غيره.الفتاوى ( 14/477 ).
وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله:
بالنسبة لدعوة القبوريين هنالك ناس يخالفونهم ويقولون نحن ندعوهم إلي الله عز وجل ومع ذلك يطوفون معهم حول لقبور فهل هذه الطريقة صحيحة ؟ فأجاب بما حاصله: يجلس بينهم يعلمهم – لا يطوف معهم هذا غلط لا يطوف بالقبور – طوافه معهم دعوة للشرك ومن فعل هذا فهو ضال مضل نعوذ بالله. شرح كشف الشبهات (51)
( فصل في بيان أن هذا لا يتم لهم إلا بإظهار الموافقة لهم وموالاتهم )
قال تعالى:
( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) ( النساء 89 )
قال بن كثير رحمه الله:
أي هم يودون لكم الضلالة لتستوا أنتم وإياهم فيها.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله:
إعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة علي دينهم خوفاً منهم ومدارة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافر مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك. الدرر السنية (8\121 ).
قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله:
والمقصود بهذا ما شاع وذاع من إعراض المنتسبين إلي الإسلام وأنهم من أمة الإجابة عن دينهم وما خلقوا له وقامت عليه الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية من لزوم الإسلام ومعرفته والبراءة من ضده والقيام بحقوقه حتى آل الأمر بأكثر الخلق إلي عدم النفرة من أهل ملل الكفر وعدم جهادهم وانتقال الحال حتى دخلوا في طاعتهم واطمئنوا إليهم وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم وتركوا أوامر القرآن ونواهيه وهم يدرسونه آناء الليل والنهار. الدرر السنية ( 8/12 )
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:
وترك ذلك ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) علي سبيل المداهنة والمعاشرة وحسن السلوك ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين أعظم ضرراً وأكبر إثماً من تركه لمجرد الجهالة فإن هذا الصنف (أدعياء السلفية) رأوا أن السلوك وحسن الخلق ونيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك فخالفوا الرسول وإتباعهم وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم لأنهم يرون العقل إرضاء الناس علي طبقاتهم ويسالمونهم ويستجلبون مودتهم ومحبتهم وهذا مع أنه لا سبيل إليه فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله وتحمل الأذى في ذاته وهذا في الحقيقة هو التهلكة في الآجلة فما ذاق طعم الإيمان من لم يوالي في الله ويعادي فيه فالعقل كل العقل ما أوصل إلي رضي الله ورسوله وهذا إنما يحصل بمرغمة أعداء الله وإيثار مرضاته والغضب إذا انتهكت محارمه. الدرر السنية ( 8/70 )
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
وهذه فتنة عمت فأعمت واصمت فإنا لله وإنا إليه راجعون فإن كنت ترى أن موالاة المشركين إظهار للدين فالمصيبة أعظم ولا أخالك تسلم من ذلك لقوله تعالى ( وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ )( الأنعام 9 ). وأني لك بالسلامة وقد زلت بك القدم. الدرر السنية ( 8/198 ).
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
من فوائد سورة الكهف: التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة علي أكثر الناس أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمن حقاً ( سلفي ) كارهاً لموافقتهم فقد كذب في قول لا إله إلا الله واتخذ إلهين اثنين وما أكثر الجهل بهذا.والعاشرة: أن ذلك لو يصدر منهم أعنى موافقة الحاكم فيما أرد من ظاهرهم مع كراهتهم لذلك فهو قوله ( شططاً ) والشطط: الكفر. الدرر السنية ( 13/317 )
قال الشيخ محمد بن عتيق رحمه الله:
الوجه الثاني: أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفتهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك إما طمع في رئاسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المآل فإنه يكون في هذه الحال مرتداً ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن. سبيل النجاة ( 112 )
( فصل جامع )
(1) إن شريعة الله تعالى يجب أن تكون وحدها حاكمة ومهيمنة علي غيرها وأن تكون المصدر الوحيد للتشريع فلا نخدع بما يقوله بعضهم بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لما تتضمنه هذه المقولة الشركية من الإقرار بمصادر أخرى للتشريع ولو كانت مصادر فرعية. نواقض الإيمان القولية والعملية (315)
ويكفي هذا في بطلان هذه المعارك الوهمية.
(2) إن طريق الأنبياء والمرسلين دائماً يكون باعتزال الطواغيت وطرق أهل الشرك
قال تعالى ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً ). ( الكهف 16 )
وقال تعالى ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياًّ ) (مريم48 )
(3) قال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ). ( النساء 140 )
ما معنى هذه الآية ؟
فأجاب الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
إن معنى الآية علي ظاهرها وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل فعلهم لأن ذلك يتضمن الرضي بالكفر والرضي بالكفر كفر. سبيل النجاة (96).
(4) قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ). ( النور 55 )
قال بن كثير رحمه الله:
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد. فعلق سبحانه وتعالى التمكين بشرطين:الأول: (يَعْبُدُونَنِي) يقيموا التوحيد.
الثاني: (لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) لا يدخلون في أحزاب الطواغيت.
(5) أن هذا من باب الحيل
قال بن القيم رحمه لله: ويا لله كيف قلب الخداع والاحتيال حقيقته من الخبيث إلي الطيب ومن المفسدة إلي المصلحة وجعله محبوباً إلي الرب تعالى بعد أن كان مسخوطاً له (إعلام الموقعين 3/81). وقال: ولو أوجب تبديل الأسماء والصور تبديل الأحكام والحقائق لفسدت الديانات وبدلت الشرائع وأضمحل الإسلام وأي شيء نفع المشركين تسميتهم أصنامهم آلهة وليس فيها شيء من صفات الإلهية وحقائقها ؟ وأي شيء نفعهم تسمية الإشراك بالله( دخول البرلمانات) تقرباً إلي الله
السابق( 3/90 )
وقال: وأي شيء نفع أهل النفاق تسمية نفاقهم عقلاً معيشياً وقدحك في عقل من لم ينافق نفاقهم ويداهن في دين الله وأي شيء نفع المكسة تسمية ما يأخذونه ظلماً وعدواناً حقوقاً سلطانية وتسمية أوضاعهم الجائرة الظالمة المناقضة لشرع الله ودينه شرع الديوان. السابق ( 3/91 )
(6) ما بني علي باطل فهو باطل
قال تعالي: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( التوبة 109 ).
إن ما بني علي هذه ( الانتخابات ) الذي يسوي فيها بين المؤمن والكافر وبين العالم والجاهل ومن يعقل ومن لا يعقل لهو علي شفا جرف هار وما بني علي موافقة الطاغوت فأمره إلي الخسران.
(7) يقولون نريد من ذلك تطبيق الشرع ونسوا أن أكثر الخلق يكرهون شرع الله قال تعالى (بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ). ( المؤمنون 70 )
ثم يقال إنكم لم تطبقوا شرع الله في هذه الفتنة وسوغتم لأنفسكم التلبس بالشرك من أجل هذا فما بالكم بالعوام الذين وصفهم الله بقوله ( أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ ) الأعراف ( 179 )
[ فصل في بيان إسلافهم ]
(1) تشبهوا ببلعام بن باعوراء:
قال تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ ) ( الأعراف 175 )
قال بن كثير رحمه الله:
قال مالك بن دينار كان من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلي ملك مدين يدعوه ( أي إلي التوحيد وترك الطاغوت ) فأقطعه وأعطاه ( سمحوا لهم بتكوين أحزاب ) فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام.
(2) تشبهوا بأصحاب السبت:
قال بن كثير رحمه الله:
وهؤلاء قوم احتالوا علي انتهاك محارم الله لما طعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في البطل تعاطي الحرام. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) ( وهذا إسناد جيد )
(3) تشبهوا بالخلف السوء :
قال تعالى:
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ). ( الأعراف 169 )
قال بن كثير رحمه لله:
قوله ( يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى ) أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا ويسوفون أنفسهم ويعيدونها بالتوبة وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه.
(4) تشبهوا ببني إسرائيل:
قال تعالى: ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ). الأعراف 138
يقول بن كثير رحمه الله:
يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزا البحر وقد رأوا من آيات وعظيم سلطانه مارأو ( من كسر فرعون ومصر الحالي وأعوانه ) قالوا أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ( نريد أن يكون لنا حزب كما لهم حزب ).
(5) تشبهوا بمشركي الجاهلية :
قال تعالى{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}الزمر3
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
الحادية والعشرون: معرفة أن الكفار لم يقصدوا بالشرك وعبادة الأصنام إلا الخير. الدرر السنية (2/148)
[ فصل في غربة التوحيد ]
قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ). ( هود 116 )
قال بن كثير رحمه الله:
( إلا قليلاً ) أي قد وجد منهم هذا الضرب قليل لم يكون كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته.قال تعالى: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ). ( الشعراء 8 )
قال بن كثير رحمه الله:
ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه وخالفوا أمره وارتكبوا نهيه.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
فإذا تأمل الإنسان ما في هذا الحديث في صفة بدء الإسلام ومن اتبع الرسول صلي الله عليه وسلم إذ ذاك ( حر وعبد ) أبو بكر وبلال ثم ضم إليه الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم أيضاً أنه صلي الله عليه وسلم قال ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) تبين له الأمر إن هداه الله وانزاحت عنه الحجة الفرعونية ( قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى ).( طه 51 ) والحجة القرشية ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) ( ص7 ) مفيد المستفيد في كفر تارك لتوحيد (9)
يقول الشيخ عبد لرحمن بن حسن رحمه الله:
فما أعز من يعرف حقيقة التوحيد بل ما أعز من لا يعادي من عرفه ودعي إليه فلقد عم الجهل بالتوحيد حتى نسب أهله إلي الابتداع ونسب من أنكره إلي الإتباع.
ومن أفضل ما قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
لما ذكر حديث ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ ) قال: بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة فالإسلام الحقيقي فينا غريب جداً وأهله غرباء بين الناس. وكيف تكون فرقة واحدة بين فرق لهم أتباع ورياسات ومناصب وولايات لا يقوم لها سوق إلا في مخالفة ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم فإن نفس ما جاء به يضاد أهوائهم ولذتهم وما هم عليه من الشبهوات التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإرادتهم فكيف لا يكون المؤمن السائر إلي الله علي طريق المتابعة غريباً بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهوائهم وأعجب كل منهم برأيه فإذا أردت معرفة الإعراض عن الدين تعلماً وعملاً فتأمل ما هم عليه فالله المستعان. الدرر ( 8/233 )
يقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف رحمه الله:
وأما حقيقة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما حاء به من الهدى والنور فعزيز والله من يعرفها أو يدربها والعارف لها من الناس اليوم كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود وكالكبريت الأحمر أين العنقاء لتطلب ؟ وأين السمندل ليجلب ؟ لم يبقى إلا رسوم قد درست وأعلاماً قد عفت وسفت عليها عواصف الهوى وطمستها محبة الدنيا والحظوظ الإنسانية فمن فتح الله عين بصيرته ورزقه معرفة للحق وتميزاً له فلينج بنفسه وليشح ويتباعد عن من نكب عن الصراط المستقيم وآثر عليه موالاة أهل الجحيم نسأل الله السلامة والعافية. الدرر ( 8/45 ).
وصلي الله علي محمد وعلي اله وصحبه وسلم،،
والحمد لله رب العالمين
أبو المنذر المصري
عفا الله عنه
الحمد الله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد:
فقد اطلعت علي رسالة بعنوان:"الانتصار للعلماء الأبرار"
نذكر جملة من كلام الكاتب وتكون هي محل البحث ان شاء الله تعالي
يقول المؤلف:
((فإذا أردنا تخريج نازلة البرلمان علي ما تم تأصيله نتج لنا أنها من أفضل القربات وأنها تأخذ أحكام الجهاد والقتال في المرخصات والإستثناءات ومنها الترخص بإظهار الكفر للمصلحة))
وقد طلب مني من لا ينبغي التأخر عن طلبه للرد علي هذا الكلام. فأجبته إلي ذلك في هذه الصفحات والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال تعالى {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} الكهف 5
قال تعالى {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} النور 16
والرد علي ذلك في الفصول التالية:
(فصل في بيان الطاغوت)
قال الله تعالى:
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (البقرة256)
قال بن كثير رحمه الله:
أي من خلع الأنداد والأوثان وما يدعوا إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده ووحده وشهد أنه لا إله إلا هو فقد ثبت أمره واستقام علي الطريقة المثلي والصراط المستقيم وهل دخول البرلمانات والأحزاب إلا من دعوة الشيطان ليصد الناس عن دين الله وعقب الله هذه الآية الكريمة.
بقوله {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة 257)
قال بن كثير رحمه الله:
أي يخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلي نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير. وقوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} أي وأن الكافرين إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات (والانتخابات والأحزاب الجاهلية) ويخرجهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلي الكفر والإفك وانظر إلي ما قاله هذا الإمام الكبير" ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات لأن الحق واحد والكفر أجناس ولكنها باطلة. إلي غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل (كما اغتر بذلك اكتر المنتسبين إلي الدعوة).
وقال الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}. (النساء 60)
قال بن كثير رحمه الله:
هذا إنكار من الله عز وجل علي من يدعي الإيمان بما أنزل الله علي رسوله وعلي الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلي غير كتاب الله وسنة رسوله..... والأيه أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلي ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هاهنا.
فائدة: من هذا النص يستفاد أن الذي يتحاكم إلي غير شرع الله غير مؤمن بجميع الرسول.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ}. (الزمر 17)
قال بن كثير رحمه الله:
والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان وأناب إلي عبادة الرحمن.
قال تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. (المائده50)
قال بن كثير رحمه الله:
ينكر تعالى علي من خرج عن حكم الله المشتمل علي كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلي ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون بها من الضلالات و الجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما كان يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن
كتاب مجموع من أحكام قد أقتبسها من شرائع شتي من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنية شرعاً متبعا يقدمونها عن الحكم بكتاب الله وسنة رسوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتي يرجع إلي حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير.
قال الحسن رحمه الله:
من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية هو: وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أبغض الناس إلي الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية) (البخاري، 6882)
قال تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل 36).
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
فأخبر أن جميع المرسلين قد بعثو باجتناب الطاغوت فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين.
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:
الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعني واحد لا فرق بينهم البتة فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله وتشريعاً غير تشريع الله كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن ولا فرق بينهم البتة بوجه من الوجوه فهما واحد وكلاهما مشرك بالله.
نواقض الإيمان القولية والعملية (297)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
لو قال من حكم القانون أنا أعتقد أنه باطل فهذا لا أثر له بل هو عزل للشرع كما لو قال أحد أنا أعبد الأوثان وأعتقد أنها باطل. الفتاوى (6/1989)
ويقول ايضا:
وتحيكم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عباة الله دون ما سواه إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له وأن يكون رسول الله هو المتبعالمحكم ما جاء به فقط ولا جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيما عند النزاع. الفتاوى(12/251)
فتحصل من مجموع كلامهم رحمهم الله أن إسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله وكل راس في الضلال يدعو إلي الباطل ويحسنه ويشمل كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله. الدرر السنية (2/301)
ويقول الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
وحاصله أن الطاغوت ثلاثة أنواع طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة والمقصود في هذه الورقة طاغوت الحكم. الدرر السنية (10/502)
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله:
فالتوحيد هو الكفر بكل طاغوت عبده العابدون من دون الله.قال تعالى {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد. فتح المجيد (3444)
يقول الأمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
في أول كتاب التوحيد المسألة السابعة.. المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ففيه معني قوله{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}
يقول الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله:
والقوانين نفسها طواغيت وواضعوها ومروجوها طواغيت وأمثاله في كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم إما قصداً أو عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت. حاشية فتح المجيد(243)
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمد ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين فالحكم به بين العالمين والرد إليه عند المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}
(النساء 59). (تحكيم القوانين5)
ويقول...النوع الخامس وهو أعظمها واشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ورسوله ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمدادا وإرصاداً وتأصيلاً وتفرعياً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات فكما أن المحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلي كتاب الله وسنة رسوله فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتي وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي... فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمد رسول الله بعد هذه المناقضة. (تحكيم القوانين 20)
(فصل فيما يجب علينا تجاه الطاغوت)
قال الأمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
اعلم رحمك الله أن أول ما فرض علي بن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله والدليل. قوله تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. (النحل36) الدرر السنية (1/161)
ويقول... فأما صفة الكفر بالطاغوت فإن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم وقال واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا إلا بالكفر بالطاغوت ويؤمن بالله والدليل.
قوله تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}. (البقرة 256 ) الدرر السنية (1/163)
قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله:
من لم يعرف كفر الدولة ولم يفرق بين البغاة من المسلمين لم يعرف معني لا إله إلا الله فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة مسلمون فهو أشد وأعظم وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله. الدرر السنية (10/429)
وواجب المسلم نحوهم ما يلي:
أولا: تكفيرهم
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:
التكفير بالشرك والتعطيل أهم ما يجب من الكفر بالطاغوت.
الدرر السنية(12/264)
ثانياً:اعتزالهم
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
فالحنفاء أهل التوحيد اعتزلوا هؤلاء المشركين لأن الله أوجب علي أهل التوحيد اعتزالهم وتكفيرهم والبراءة منهم كما قال عن خليله إبراهيم عليه السلام {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}(مريم 48)
وقال عن أهل الكهف {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا}. (الكهف 16)
فلا يتم لأهل التوحيد توحيدهم إلا باعتزال أهل الشرك وعدواتهم وتكفيرهم فهم معتزلة بهذا الاعتبار. الدرر السنية (11/434)
ثالثاً:إظهار العدواة لهم:
قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. (الممتحنة4)
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
قوله (وَبَدَا) أي ظهر وبان وهذا هو الواجب أن تكون العداوة والبغضاء ظاهرة يعلمها المشركون من المسلم وتكون مستمرة.
رابعاً: اجتنابهم:
قال تعالى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}. (الزمر 17)
قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.النحل 36
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
فاخبرا أن جميع المرسلين قد بعثوا باجتناب الطاغوت فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين. ففي هذه الآيات من الحجج علي وجوب اجتنابه وجوه كثيرة والمراد من اجتنابه هو بغضه وعداواته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان وإزالته باليد عند القدرة ومفارقته فمن ادعي اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق.
الدرر السنية (10/502)
خامساً: البراءة منهم:
قال تعالى:
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ). ( الممتحنة 4 ).
يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
وها هنا نكتة بديعة في قوله (إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) وهي أن الله تعالى قد البراءة من المشركين العابدين غير الله علي البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله لأن الأول أهم من الثاني فإنه قد يتبرأ من الأوثان ولا يتبرأ ممن عبدها فلا يكون آتياً بالواجب عليه وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم... فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك باباً إلي عداوة أعداء الله فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي أهله فلا يكون مسلماً بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين ثم قال (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) فقوله (وَبَدَا ) أي ظهر وبان وتأمل تقديم العداوة علي البغضاء لأن الأولى أهم من الثانية فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء ولابد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء بادتين أي ظاهرتين وأعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب فإنها لا تنفع حتى تظهر أثرها وتتبين علامتها ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين وأما إذا وجدت الموالاة والمواصلة فإن ذلك يدل علي عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا الموضع فإنه يجلو عنك شبهات كثيرة. سبيل النجاة والفكاك (46)
( فصل في بيان عدم جواز التلبس بالكفر إلا للمكره )
قال تعالى:
(مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل 106 )
يقول بن كثير رحمه الله:
قوله تعالى (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهاً لما ناله من ضرب وأذى وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.... ولهذا اتفق العلماء علي أن المكره علي الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته ويجوز له أن يأبى والأفضل والأولى أن يثبت المسلم علي دينه ولو أفضى إلي قتله.
قال الأمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد إلا المكره.
الدرر السنية ( 2/362 )
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
والمقصود منه أن الإكراه علي كلمة الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد.
سبيل النجاة (115)
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله:
فحكم تعالى حكماً لا يبدل أن من رجع عن دينه الي الكفر فهو كافر سواء كان له عذر خوفاً علي نفس أو مال أو أهل أم لا وسواء كفر بفعاله أو مقاله أو بأحدهما دون الآخر وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا فهو كافر علي كل حال إلا المكره. ( 8/131 )
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
فهذه حال أصحاب رسول الله وما لقوا من المشركين من شدة الأذى فأين هذا من حال هؤلاء المفتونين الذين سارعوا إلي الباطل وأوضعو فيه وأقبلوا وأدبروا وتوددوا وداهنوا وركنوا وعظموا ومدحوا فكانوا اشبه بمن قال الله تعالى (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً)( الأحزاب 14 )
( الدرر السنية 8/252 )
يقول الشيخ سليمان بين سحمان رحمه الله:
فإذا عرفت أن التحاكم إلي الطاغوت كفر وقد ذكر الله في كتابه أن الكفر أكبر من الفتنة قال تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ).( البقرة 217 ).وقال ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ ) ( البقرة 191 ) والفتنة هي الكفر. فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بعث بها الله فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلي الطاغوت لأجلها ولو اضطرك مضطر وخيرك بين أن تتحاكم إلي الطاغوت أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ولم يجز لك المحاكمة إلي الطاغوت. ( الدرر 10 /511 ).
قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله:
فمن تكلم بدون الإكراه لم يتكلم إلا وصدره منشرحاً به وقال... ومن كفر بالله من بعد إيمانه من غير إكراه فهو مرتد. الفتاوى ( 16/28 ).
وقال.. ومعلوم إن إكراه القلب ممتنع فعلم أن التكلم بالكفر كفر إلا في حال الإكراه. ( الفتاوى 7/560 ).
(فصل في الرد علي من زعم أن دخول البرلمان طريق لإقامة الدين)
قال تعالى:
( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران 31 )
قال بن كثير رحمه الله:
هذه الآية حاكمة علي كل من ادعى محبة الله وليس هو علي الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
رواه مسلم ( 1718 )
وفي السيرة أن المسلمين حُصِروا في شعب أبي طالب ثلاث سنين فلم يفعلوا الشرك من أجل ذلك وفي هجرة الحبشة وفيها مساومات المشركين للنبي صلي الله عليه وسلم ومع ذلك لم يفعل الشرك من أجل ذلك. وذلك ما جاء في عرض عتبة بن ربيعة بتكليف من زعماء قريش حيث قال للرسول ( صلي الله عليه وسلم )
1- ( فرقت جماعتنا ) هذا مؤمن وهذا كافر.
2- ( وعبت ديننا ) تنقصت من دين الطاغوت.
3- ( وشتمت الآباء ) أي إنهم كانوا علي الضلال والشرك.
4- ( وشتمت الآلهة ) أي لأنها لا تستحق العبادة.
5- ( وفضحتنا في العرب ) لأنه طالب بتحكيم شرع الله ( بالكفر من الطاغوت والإيمان بالله وحده ).
أيها الرجل إن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك فكنت رأسنا ( رئيس الحكومة ).
وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا ( رئيس البرلمان ).
وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ( رئيس الجمهورية ).
فلم يقبل الرسول وتلي عليهم صدر سورة فصلت لأنه عرض في مقابل أصل الأصول الذي هو القيام بالتوحيد والكفر بالطاغوت..
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:
وهؤلاء قد يظن أحدهم أنه لا يمكنه السلوك إلي الله تعالى إلا ببدعة وكذلك أهل الفجور والمترفين قد يظن أحدهم أنه لا يمكنه فعل الواجبات إلا بما يفعله من الذنوب ولا يمكنه ترك المحرمات إلا بذلك وهذا يقع لبشر كثير من الناس.فمنهم من يقول أنه لا يمكن أداء الصلوات واجتناب الكلام المحرم من الغيبة وغيرها إلا بأكل الحشيشة. ويقول الآخر إن أكلها يعينه علي استنباط العلوم وتصفية الذهن حتى يسميها بعضهم معدن الفكر والذكر ومحركة العزم الساكن وكل هذا من خدع النفس ومكر الشيطان بهؤلاء وغيرهم ويقول.. من هؤلاء من يقول إن محبته لله ورغبته في العبادة وحركته وشوقه وغير ذلك لا يتم إلا بسماع القصائد ومعاشرة الشاهد من الصبيان وغيرهم وسماع الأصوات والنغمات ويزعمون أنهم بسماع هذه الأصوات ورؤية الصور المحركات تتحرك عندهم من دواعي الزهد والعبادة ما لا تحرك بدون ذلك وأنهم بدون ذلك قد يتركون الصلوات ويفعلون المحرمات الكبار كقطع الطريق وقتل النفوس ويظنون أنهم بهذا ترتاض نفوسهم وتلتذ بذلك لذة تصدها عن ارتكاب المحارم والكبائر وتحملها علي الصلاة والصوم والحج..
ويقول: وربما ضموا إليها من معاشرة النساء والمردان ونحو ذلك ويقولون هؤلاء الذين توبناهم وقد كانوا لا يصلون ولا يحجون ولا يصومون بل قد كانوا يقطعون الطريق ويقتلون النفس ويزنون فتوبناهم عن ذلك بهذا السماع وما أمكن أحدهم استتابتهم بغيرهذا وقد يعترفون أن ما فعلوه بدعة منهية عنها أو محرمة ولكن يقولون ما أمكننا إلا هذا وان لم نفعل هذا القليل من المحرم حصل الوقوع فيما هو أشد منه تحريما وفي ترك الواجبات ما يزيد إثمه علي إثم هذا المحرم القليل في جنب ما كانوا فيه من المحرم الكثير.ويقولون أن الإنسان يجد في نفسه نشاطاً وقوة في كثير من الطاعات إذا حصل له ما يحبه وإن كان مكروهاً حراماً وإما بدون ذلك فلا يجد شيئاً ولا يفعله وهو أيضاً ممتنع عن المحرمات إذاعوض بما يحبه وإن كان مكروهاً وإلا لم يمتنع.وهذه الشبهة واقعة لكثير من الناس وجوابها مبني علي ثلاث مقامات:
أحدهما: ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئاً لا لضرورة ولا لغير ضرورة كالشرك والفواحش والقول علي الله بغير علم والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ). (الأعراف32)فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيء قط ولا في حال من الأحوال. الفتاوى (14/470)
ويقول: وأما الإنسان في نفسه فلا يحل له أن يفعل الذي يعلم أنه محرم ( مثل المشاركة في الأحزاب الجاهلية ) لظنه أنه يعينه علي طاعة الله ( إقامة الخلافة أو الحكم ) فإن هذا لا يكون إلا مفسدة أو مفسدته راجحة علي مصلحته وقد تنقلب تلك الطاعات مفسدة فإن الشارع حكيم.....ويقول: وليس له أن يقول أنا أفعل ثم أتوب ولا يبيح له الشارع ذلك لأنه بمنزلة من يقول أنا أطعم نفسي بما يمرضني ثم أتداوي أو آكل السم ثم أشرب الترياق والشارع حيكم فإنه لا يدري هل يتمكن من التوبة أم لا وهل يحصل الدواء بالترياق وغيره أم لا.....ويقول: فإن الشرك والقول علي الله بلا علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم لا يكون فيها شيء من المصلحة.فإخلاص الدين له والعدل واجب مطلقاً في كل حال وفي كل شرع فعلي العبد أن يعبد الله مخلصاً له الدين ويدعوه مخلصاً له لا يسقط هذا عنه بحال ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل لا إله إلا الله فهذا حق الله علي كل عبد من عباده كما في الصحيحين من حديث معاذ أن النبي قال له ( يا معاذ أتدري ما حق الله علي عباده ؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) الحديث... فلا ينجو من عذاب الله الا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصاً له الدين...... فلابد من عبادة الله وحده فهذا واجب علي كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة وهو الإسلام العام الذي لا يقبل ديناً غيره.الفتاوى ( 14/477 ).
وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله:
بالنسبة لدعوة القبوريين هنالك ناس يخالفونهم ويقولون نحن ندعوهم إلي الله عز وجل ومع ذلك يطوفون معهم حول لقبور فهل هذه الطريقة صحيحة ؟ فأجاب بما حاصله: يجلس بينهم يعلمهم – لا يطوف معهم هذا غلط لا يطوف بالقبور – طوافه معهم دعوة للشرك ومن فعل هذا فهو ضال مضل نعوذ بالله. شرح كشف الشبهات (51)
( فصل في بيان أن هذا لا يتم لهم إلا بإظهار الموافقة لهم وموالاتهم )
قال تعالى:
( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) ( النساء 89 )
قال بن كثير رحمه الله:
أي هم يودون لكم الضلالة لتستوا أنتم وإياهم فيها.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله:
إعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة علي دينهم خوفاً منهم ومدارة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافر مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك. الدرر السنية (8\121 ).
قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله:
والمقصود بهذا ما شاع وذاع من إعراض المنتسبين إلي الإسلام وأنهم من أمة الإجابة عن دينهم وما خلقوا له وقامت عليه الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية من لزوم الإسلام ومعرفته والبراءة من ضده والقيام بحقوقه حتى آل الأمر بأكثر الخلق إلي عدم النفرة من أهل ملل الكفر وعدم جهادهم وانتقال الحال حتى دخلوا في طاعتهم واطمئنوا إليهم وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم وتركوا أوامر القرآن ونواهيه وهم يدرسونه آناء الليل والنهار. الدرر السنية ( 8/12 )
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:
وترك ذلك ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) علي سبيل المداهنة والمعاشرة وحسن السلوك ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين أعظم ضرراً وأكبر إثماً من تركه لمجرد الجهالة فإن هذا الصنف (أدعياء السلفية) رأوا أن السلوك وحسن الخلق ونيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك فخالفوا الرسول وإتباعهم وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم لأنهم يرون العقل إرضاء الناس علي طبقاتهم ويسالمونهم ويستجلبون مودتهم ومحبتهم وهذا مع أنه لا سبيل إليه فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله وتحمل الأذى في ذاته وهذا في الحقيقة هو التهلكة في الآجلة فما ذاق طعم الإيمان من لم يوالي في الله ويعادي فيه فالعقل كل العقل ما أوصل إلي رضي الله ورسوله وهذا إنما يحصل بمرغمة أعداء الله وإيثار مرضاته والغضب إذا انتهكت محارمه. الدرر السنية ( 8/70 )
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
وهذه فتنة عمت فأعمت واصمت فإنا لله وإنا إليه راجعون فإن كنت ترى أن موالاة المشركين إظهار للدين فالمصيبة أعظم ولا أخالك تسلم من ذلك لقوله تعالى ( وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ )( الأنعام 9 ). وأني لك بالسلامة وقد زلت بك القدم. الدرر السنية ( 8/198 ).
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
من فوائد سورة الكهف: التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة علي أكثر الناس أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمن حقاً ( سلفي ) كارهاً لموافقتهم فقد كذب في قول لا إله إلا الله واتخذ إلهين اثنين وما أكثر الجهل بهذا.والعاشرة: أن ذلك لو يصدر منهم أعنى موافقة الحاكم فيما أرد من ظاهرهم مع كراهتهم لذلك فهو قوله ( شططاً ) والشطط: الكفر. الدرر السنية ( 13/317 )
قال الشيخ محمد بن عتيق رحمه الله:
الوجه الثاني: أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفتهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك إما طمع في رئاسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المآل فإنه يكون في هذه الحال مرتداً ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن. سبيل النجاة ( 112 )
( فصل جامع )
(1) إن شريعة الله تعالى يجب أن تكون وحدها حاكمة ومهيمنة علي غيرها وأن تكون المصدر الوحيد للتشريع فلا نخدع بما يقوله بعضهم بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لما تتضمنه هذه المقولة الشركية من الإقرار بمصادر أخرى للتشريع ولو كانت مصادر فرعية. نواقض الإيمان القولية والعملية (315)
ويكفي هذا في بطلان هذه المعارك الوهمية.
(2) إن طريق الأنبياء والمرسلين دائماً يكون باعتزال الطواغيت وطرق أهل الشرك
قال تعالى ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً ). ( الكهف 16 )
وقال تعالى ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياًّ ) (مريم48 )
(3) قال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ). ( النساء 140 )
ما معنى هذه الآية ؟
فأجاب الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله:
إن معنى الآية علي ظاهرها وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل فعلهم لأن ذلك يتضمن الرضي بالكفر والرضي بالكفر كفر. سبيل النجاة (96).
(4) قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ). ( النور 55 )
قال بن كثير رحمه الله:
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد. فعلق سبحانه وتعالى التمكين بشرطين:الأول: (يَعْبُدُونَنِي) يقيموا التوحيد.
الثاني: (لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) لا يدخلون في أحزاب الطواغيت.
(5) أن هذا من باب الحيل
قال بن القيم رحمه لله: ويا لله كيف قلب الخداع والاحتيال حقيقته من الخبيث إلي الطيب ومن المفسدة إلي المصلحة وجعله محبوباً إلي الرب تعالى بعد أن كان مسخوطاً له (إعلام الموقعين 3/81). وقال: ولو أوجب تبديل الأسماء والصور تبديل الأحكام والحقائق لفسدت الديانات وبدلت الشرائع وأضمحل الإسلام وأي شيء نفع المشركين تسميتهم أصنامهم آلهة وليس فيها شيء من صفات الإلهية وحقائقها ؟ وأي شيء نفعهم تسمية الإشراك بالله( دخول البرلمانات) تقرباً إلي الله
السابق( 3/90 )
وقال: وأي شيء نفع أهل النفاق تسمية نفاقهم عقلاً معيشياً وقدحك في عقل من لم ينافق نفاقهم ويداهن في دين الله وأي شيء نفع المكسة تسمية ما يأخذونه ظلماً وعدواناً حقوقاً سلطانية وتسمية أوضاعهم الجائرة الظالمة المناقضة لشرع الله ودينه شرع الديوان. السابق ( 3/91 )
(6) ما بني علي باطل فهو باطل
قال تعالي: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( التوبة 109 ).
إن ما بني علي هذه ( الانتخابات ) الذي يسوي فيها بين المؤمن والكافر وبين العالم والجاهل ومن يعقل ومن لا يعقل لهو علي شفا جرف هار وما بني علي موافقة الطاغوت فأمره إلي الخسران.
(7) يقولون نريد من ذلك تطبيق الشرع ونسوا أن أكثر الخلق يكرهون شرع الله قال تعالى (بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ). ( المؤمنون 70 )
ثم يقال إنكم لم تطبقوا شرع الله في هذه الفتنة وسوغتم لأنفسكم التلبس بالشرك من أجل هذا فما بالكم بالعوام الذين وصفهم الله بقوله ( أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ ) الأعراف ( 179 )
[ فصل في بيان إسلافهم ]
(1) تشبهوا ببلعام بن باعوراء:
قال تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ ) ( الأعراف 175 )
قال بن كثير رحمه الله:
قال مالك بن دينار كان من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلي ملك مدين يدعوه ( أي إلي التوحيد وترك الطاغوت ) فأقطعه وأعطاه ( سمحوا لهم بتكوين أحزاب ) فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام.
(2) تشبهوا بأصحاب السبت:
قال بن كثير رحمه الله:
وهؤلاء قوم احتالوا علي انتهاك محارم الله لما طعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في البطل تعاطي الحرام. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) ( وهذا إسناد جيد )
(3) تشبهوا بالخلف السوء :
قال تعالى:
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ). ( الأعراف 169 )
قال بن كثير رحمه لله:
قوله ( يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى ) أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا ويسوفون أنفسهم ويعيدونها بالتوبة وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه.
(4) تشبهوا ببني إسرائيل:
قال تعالى: ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ). الأعراف 138
يقول بن كثير رحمه الله:
يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزا البحر وقد رأوا من آيات وعظيم سلطانه مارأو ( من كسر فرعون ومصر الحالي وأعوانه ) قالوا أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ( نريد أن يكون لنا حزب كما لهم حزب ).
(5) تشبهوا بمشركي الجاهلية :
قال تعالى{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}الزمر3
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
الحادية والعشرون: معرفة أن الكفار لم يقصدوا بالشرك وعبادة الأصنام إلا الخير. الدرر السنية (2/148)
[ فصل في غربة التوحيد ]
قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ). ( هود 116 )
قال بن كثير رحمه الله:
( إلا قليلاً ) أي قد وجد منهم هذا الضرب قليل لم يكون كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته.قال تعالى: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ). ( الشعراء 8 )
قال بن كثير رحمه الله:
ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه وخالفوا أمره وارتكبوا نهيه.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
فإذا تأمل الإنسان ما في هذا الحديث في صفة بدء الإسلام ومن اتبع الرسول صلي الله عليه وسلم إذ ذاك ( حر وعبد ) أبو بكر وبلال ثم ضم إليه الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم أيضاً أنه صلي الله عليه وسلم قال ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) تبين له الأمر إن هداه الله وانزاحت عنه الحجة الفرعونية ( قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى ).( طه 51 ) والحجة القرشية ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) ( ص7 ) مفيد المستفيد في كفر تارك لتوحيد (9)
يقول الشيخ عبد لرحمن بن حسن رحمه الله:
فما أعز من يعرف حقيقة التوحيد بل ما أعز من لا يعادي من عرفه ودعي إليه فلقد عم الجهل بالتوحيد حتى نسب أهله إلي الابتداع ونسب من أنكره إلي الإتباع.
ومن أفضل ما قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
لما ذكر حديث ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ ) قال: بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة فالإسلام الحقيقي فينا غريب جداً وأهله غرباء بين الناس. وكيف تكون فرقة واحدة بين فرق لهم أتباع ورياسات ومناصب وولايات لا يقوم لها سوق إلا في مخالفة ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم فإن نفس ما جاء به يضاد أهوائهم ولذتهم وما هم عليه من الشبهوات التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإرادتهم فكيف لا يكون المؤمن السائر إلي الله علي طريق المتابعة غريباً بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهوائهم وأعجب كل منهم برأيه فإذا أردت معرفة الإعراض عن الدين تعلماً وعملاً فتأمل ما هم عليه فالله المستعان. الدرر ( 8/233 )
يقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف رحمه الله:
وأما حقيقة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما حاء به من الهدى والنور فعزيز والله من يعرفها أو يدربها والعارف لها من الناس اليوم كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود وكالكبريت الأحمر أين العنقاء لتطلب ؟ وأين السمندل ليجلب ؟ لم يبقى إلا رسوم قد درست وأعلاماً قد عفت وسفت عليها عواصف الهوى وطمستها محبة الدنيا والحظوظ الإنسانية فمن فتح الله عين بصيرته ورزقه معرفة للحق وتميزاً له فلينج بنفسه وليشح ويتباعد عن من نكب عن الصراط المستقيم وآثر عليه موالاة أهل الجحيم نسأل الله السلامة والعافية. الدرر ( 8/45 ).
وصلي الله علي محمد وعلي اله وصحبه وسلم،،
والحمد لله رب العالمين
أبو المنذر المصري
عفا الله عنه
الرد علي رسالة "لانتصار للعلماء الأبرار"
Reviewed by Unknown
on
3:49 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: